فصل: الآيات (9 - 10)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


*2*49 -  سورة الحجرات مدنية وآياتها ثماني عشرة

*3*  مقدمة سورة الحجرات

بسم الله الرحمن الرحيم

أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قالت‏:‏ نزلت سورة الحجرات بالمدينة‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله‏.‏

*3* التفسير

 الآية 1

أخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر‏:‏ أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر‏:‏ بل أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي، فقال عمر‏:‏ ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله‏}‏ حتى انقضت الآية‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس في قوله ‏{‏لا تقدموا بين يدي الله ورسوله‏}‏ قال‏:‏ لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون‏:‏ لو أنزل في كذا وكذا الوضع كذا وكذا، فكره الله ذلك وقدم فيه‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏لا تقدموا بين يدي الله ورسوله‏}‏ قال‏:‏ نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه أن ناسا ذبحوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فأمرهم أن يعيدوا ذبحا فأنزل الله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا في الأضاحي عن الحسن رضي الله عنه قال‏:‏ ذبح رجل قبل الصلاة فنزلت‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله في قوله ‏{‏لا تقدموا بين يدي الله ورسوله‏}‏ قال‏:‏ لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم‏.‏

وأخرج ابن النجار في تاريخه عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان أناس يتقدمون بين يدي رمضان بصيام يعني يوما أو يومين فأنزل الله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله‏}‏‏.‏

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن ناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله‏}‏‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور عن الضحاك أنه قرأ ‏{‏لا تقدموا‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله ‏{‏لا تقدموا بين يدي الله ورسوله‏}‏ قال‏:‏ لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله على لسانه‏.‏ قال الحفاظ‏:‏ هذا التفسير على قراءة ‏"‏تقدموا‏"‏ بفتح التاء والدال‏.‏

 الآيات 2 - 3

أخرج البخاري وابن المنذر والطبراني عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر‏:‏ ما أردت إلا خلافي، قال‏:‏ ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ الآية‏.‏ قال ابن الزبير‏:‏ فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه‏.‏

وأخرجه الترمذي من طريق ابن أبي مليكة قال‏:‏ حدثني عبد الله بن الزبير به‏.‏

وأخرج ابن جرير والطبراني من طريق ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير أن الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله استعمله على قومه، فقال عمر‏:‏ لا تستعمله يا رسول الله‏.‏ فتكلما عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر‏:‏ ما أردت إلا خلافي، قال‏:‏ ما أردت خلافك، فنزلت هذه الآية ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه‏.‏

وأخرج البزار وابن عدي والحاكم وابن مردويه عن أبي بكر الصديق قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ قلت يا رسول الله‏:‏ والله لا أكلمك إلا كأخي السرار‏.‏

وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله‏}‏ قال أبو بكر‏:‏ والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال‏:‏ كانوا يجهرون له بالكلام ويرفعون أصواتهم، فأنزل الله ‏{‏لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله ‏{‏ولا تجهروا له بالقول‏}‏ الآية قال‏:‏ لا تنادوه نداء ولكن قولوا قولا لينا يا رسول الله‏.‏

وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو يعلى والبغوي في معجم الصحابة وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ إلى قوله ‏{‏وأنتم لا تشعرون‏}‏ وكان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال‏:‏ أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حبط عملي أنا من أهل النار، وجلس في بيته حزينا ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له‏:‏ فقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك‏؟‏ قال‏:‏ أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول، حبط عملي، أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك فقال‏:‏ لا بل هو من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة قتل‏.‏

وأخرج ابن جرير والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية ‏{‏لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول‏}‏ قعد ثابت رضي الله عنه في الطريق يبكي فمر به عاصم بن عدي بن العجلان فقال‏:‏ ما يبكيك يا ثابت‏؟‏ قال‏:‏ هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت في وأنا صيت رفيع الصوت، فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فقال‏:‏ اذهب فادعه لي فجاء فقال‏:‏ ما يبكيك يا ثابت‏؟‏ فقال‏:‏ أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة‏؟‏ قال‏:‏ رضيت ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ وأنزل الله تعالى ‏{‏إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن حبان والطبراني وأبو نعيم في المعرفة عن إسمعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري أن ثابت بن قيس قال‏:‏ يا رسول الله‏:‏ لقد خشيت أن أكون قد هلكت‏.‏ قال‏:‏ لم‏؟‏ قال‏:‏ يمنع الله المرء أن يحمد بما لم يفعل وأجدني أحب الحمد، وينهى عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال، وينهى أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا جهير الصوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة‏؟‏ قال الحافظ بن حجر في الأطراف‏:‏ هكذا أخرجه ابن حبان بهذا السياق وليس فيه ما يدل على أن إسمعيل سمعه من ثابت، فهو منقطع، ورواه مالك رضي الله عنه في الموطأ عن ابن شهاب عن إسمعيل عن ثابت أنه قال فذكره ولم يذكره من رواة الموطأ أحد إلا سعيد بن عفير وحده وقال‏:‏ قال مالك‏:‏ قتل ثابت بن قيس يوم اليمامة‏.‏ قال ابن حجر رضي الله عنه‏:‏ فلم يدركه إسمعيل، فهو منقطع قطعا، إنتهى‏.‏

وأخرج ابن جرير عن شمر بن عطية رضي الله عنه قال‏:‏ جاء ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال‏:‏ يا ثابت ما الذي أرى بك‏؟‏ قال‏:‏ آية قرأتها الليلة فأخشى أن يكون قد حبط عملي ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ وكان في أذنه صمم، فقال‏:‏ أخشى أن أكون قد رفعت صوتي وجهرت لك بالقول، وأن أكون قد حبط عملي وأنا لا أشعر‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ امش على الأرض نشيطا فإنك من أهل الجنة‏.‏

وأخرج البغوي وابن قانع في معجم الصحابة عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن ثابت بن قيس بن شماس قال‏:‏ لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ قعدت في بيتي، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ تعيش حميدا وتقتل شهيدا، فقتل يوم اليمامة‏.‏

وأخرج البغوي وابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه والخطيب في المتفق والمفترق عن عطاء الخراساني قال‏:‏ قدمت المدينة فلقيت رجلا من الأنصار‏.‏ قلت‏:‏ حدثني حديث ثابت بن قيس بن شماس‏.‏ قال‏:‏ قم معي‏.‏

فانطلقت معه حتى دخلت على امرأة‏.‏ فقال الرجل‏:‏ هذه ابنة ثابت بن قيس بن شماس فاسألها عما بدا لك‏.‏ فقلت‏:‏ حدثيني‏.‏

قالت‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ لما أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ الآية، دخل ‏[‏أي ثابت‏]‏ بيته وأغلق عليه بابه وطفق يبكي، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ما شأن ثابت‏؟‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله ما ندري ما شأنه غير أنه قد أغلق عليه باب بيته فهو يبكي فيه‏.‏

فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله‏:‏ ما شأنك‏؟‏ قال‏:‏ يا رسول الله‏:‏ أنزل الله عليك هذه الآية، وأنا شديد الصوت فأخاف أن أكون قد حبط عملي‏.‏ فقال‏:‏ لست منهم، بل تعيش بخير وتموت بخير‏.‏

قالت‏:‏ ثم أنزل الله على نبيه ‏(‏إن الله لا يحب كل مختال فخور‏)‏، فأغلق عليه بابه وطفق يبكي فيه فافتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ثابت ما شأنه‏؟‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، والله ما ندري ما شأنه غير أنه قد أغلق عليه بابه وطفق يبكي‏.‏

فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ما شأنك‏؟‏ قال‏:‏ يا رسول الله‏:‏ أنزل الله عليك ‏(‏إن الله لا يحب كل مختال فخور‏)‏ والله إني لأحب الجمال وأحب أن أسود قومي‏.‏ قال‏:‏ لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا ويدخلك الله الجنة بسلام‏.‏

قالت‏:‏ فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب فلما لقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انكشفوا فقال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة‏:‏ ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حفر كل منهما لنفسه حفرة، وحمل عليهم القوم، فثبتا حتى قتلا‏.‏ وكانت على ثابت يومئذ درع له نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينا رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت بن قيس في منامه فقال له‏:‏ إني أوصيك بوصية، إياك أن تقول هذا حلم فتضيعه‏:‏ إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى العسكر وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفا على الدرع برمة وجعل فوق البرمة رحلا‏.‏ فائت خالد بن الوليد فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قدمت على خليفة رسول الله فأخبره أن علي من الدين كذا وكذا ولي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق، وفلان، فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه‏.‏

فأتى الرجل خالد بن الوليد فأخبره، فبعث إلى الدرع فنظر إلى خباء في أقصى العسكر فإذا عنده فرس يستن في طوله فنظر في الخباء فإذا ليس فيه أحد فدخلوا فدفعوا الرجل فإذا تحته برمة ثم رفعوا البرمة فإذا الدرع تحتها، فأتوا به خالد بن الوليد‏.‏ فلما قدموا المدينة حدث الرجل أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته بعد موته، ولا يعلم أحد من المسلمين جوزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس بن شماس‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله ‏{‏لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ الآية، قال‏:‏ نزلت في قيس بن شماس‏.‏

وأخرج الترمذي وابن حبان وابن مردويه عن صفوان بن عسال رضي الله عنه أن رجلا من أهل البادية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يناديه بصوت له جهوري‏:‏ يا محمد يا محمد، فقلنا‏:‏ ويحك أخفض من صوتك فإنك قد نهيت عن هذا، قال‏:‏ لا والله حتى أسمعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هاؤم، قال‏:‏ أرأيت رجلا يحب قوما ولم يلحق بهم، قال‏:‏ المرء مع من أحب‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ لما أنزل الله ‏{‏أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى‏}‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ منهم ثابت بن قيس بن شماس‏.‏

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏{‏امتحن‏}‏ قال‏:‏ أخلص‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال‏:‏ أخلص الله قلوبهم فيما أحب‏.‏

أخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال‏:‏ كتب إلى عمر رضي الله عنه‏:‏ يا امير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل لها‏؟‏ فكتب عمر رضي الله عنه‏:‏ إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها ‏{‏أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم‏}‏‏.‏

وأخرج الحكيم الترمذي عن مكحول قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏نفس ابن آدم شابة ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا من امتحن الله قلبه للتقوى وقليل ما هم‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المبارك في الزهد عن أبي الدرداء قال‏:‏ لا تزال نفس أحدكم شابة من حب الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا الذين امتحن الله قلوبهم وقليل ما هم‏.‏

 الآيات 4 - 5

أخرج أحمد وابن جرير وأبو القاسم البغوي وابن مردويه والطبراني بسند صحيح من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا محمد اخرج إلينا، فلم يجبه، فقال‏:‏ يا محمد إن حمدي زين، وإن ذمي شين‏.‏ فقال‏:‏ ذاك الله، فأنزل الله ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات‏}‏ قال ابن منيع‏:‏ لا أعلم روي للأقرع سند غير هذا‏.‏

وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء عازب في قوله ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون‏}‏ قال‏:‏ جاء رجل فقال‏:‏ يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ذاك الله‏"‏‏.‏

وأخرج ابن راهويه ومسدد وأبو يعلى والطبراني وابن جرير وابن أبي حاتم بسند حسن عن زيد بن أرقم قال‏:‏ اجتمع ناس من العرب فقالوا‏:‏ انطلقوا إلى هذا الرجل فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به، وإن يك ملكا نعش بجناحه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا فجاؤوا إلى حجرته، فجعلوا ينادونه‏:‏ يا محمد فأنزل الله ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون‏}‏ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني، وجعل يقول‏:‏ لقد صدق الله قولك يا زيد، لقد صدق الله قولك‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا محمد إن مدحي زين وإن شتمي شين، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ذاك هو الله‏"‏ فنزلت ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون‏}‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال‏:‏ أخبرت عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أن تميما ورجلا من بني أسد بن خزيمة إستبا فقال الأسدي‏:‏ ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات‏}‏ أعراب بني تميم فقال سعيد رضي الله عنه‏:‏ لو كان التميمي فقيها إن أولها في بني تميم وآخرها في بني أسد‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن حبيب بن أبي عمرة قال‏:‏ كان بيني وبين رجل من بني أسد كلام، فقال الأسدي ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات‏}‏ بني تميم ‏{‏أكثرهم لا يعقلون‏}‏ فذكرت ذلك لسعيد بن جبير قال‏:‏ أفلا تقول لبني أسد قال الله ‏{‏يمنون عليك أن أسلموا‏}‏ فإن العرب لم تسلم حتى قوتلت، ونحن أسلمنا بغير قتال فأنزل الله هذا فيهم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال‏:‏ قال رجل من بني أسد لرجل من بني تميم وتلا هذه الآية ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم‏}‏ بني تميم ‏{‏لا يعقلون‏}‏ فلما قام التميمي وذهب قال سعيد بن جبير‏:‏ أما إن التميمي لو يعلم ما أنزل في بني أسد لتكلم، قلنا‏:‏ ما أنزل فيهم‏؟‏ قال‏:‏ جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ إنا قد أسلمنا طائعين، وإن لنا حقا فأنزل الله ‏{‏يمنون عليك أن أسلموا‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات‏}‏ قال‏:‏ أعراب من بني تميم‏.‏

وأخرج ابن منده وابن مردويه من طريق يعلى بن الأشدق عن سعد بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله‏:‏ ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏هم الجفاة من بني تميم لولا أنهم من أشد الناس قتالا للأعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم‏"‏‏.‏

وأخرج ابن إسحق وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قدم وفد بني تميم وهم سبعون رجلا أو ثمانون رجلا منهم الزبرقان بن بدر وعطارد بن معبد وقيس بن عاصم وقيس بن الحارث وعمرو بن أهتم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق معهم عيينة بن حصن بن بدر الفزاري وكان يكون في كل سدة حتى أتوا منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادوه من وراء الحجرات بصوت جاف‏:‏ يا محمد أخرج إلينا يا محمد أخرج إلينا يا محمد أخرج إلينا، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا‏:‏ يا محمد إن مدحنا زين وإن شتمنا شين، نحن أكرم العرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كذبتم بل مدحة الله الزين وشتمه الشين وأكرم منكم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم‏"‏ فقالوا‏:‏ إنا أتيناك لنفاخرك، فذكره بطوله وقال في آخره‏:‏ فقام التميميون، فقالوا‏:‏ والله إن هذا الرجل لمصنوع له، لقد قام خطيبه فكان أخطب من خطيبنا، وقال شاعره فكان أشعر من شاعرنا قال‏:‏ ففيهم أنزل الله ‏{‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات‏}‏ من بني تميم ‏{‏أكثرهم لا يعقلون‏}‏ قال‏:‏ هذا كان في القراءة الأولى ‏{‏ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم‏}‏‏.‏

وأخرج ابن سعد والبخاري في الأدب وابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي الله عنه قال‏:‏ كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه فأتناول سقفها بيدي‏.‏

وأخرج البخاري في الأدب وابن أبي الدنيا والبيهقي عن داود بن قيس قال‏:‏ رأيت الحجرات من جريد النخل مغشى من خارج بمسوح الشعر، وأظن عرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحوا من ستة أو سبعة أذرع وأحزر البيت الداخل عشرة أذرع، وأظن سمكه بين الثمان والسبع‏.‏

وأخرج ابن سعد عن عطاء الخراساني قال‏:‏ أدركت حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ يأمر بإدخال حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يوما أكثر باكيا من ذلك اليوم، فسمعت سعيد بن المسيب رضي الله عنه يقول يومئذ‏:‏ والله لوددت أنهم تركوها على حالها ينشأ ناس من أهل المدينة ويقدم القادم من أهل الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله في حياته، فيكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر فيها، وقال يومئذ أبو أمامة بن سهل بن حنيف‏:‏ ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويرون ما رضي الله لنبيه ومفاتيح خزائن الدنيا بيده‏.‏

 الآيات 6 - 8

أخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وابن مردويه بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي قال‏:‏ قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، قلت يا رسول الله‏:‏ أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولا يبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه إحتبس الرسول فلم يأت فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله فدعا بسروات قومه فقال لهم‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطه فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا‏:‏ هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم‏:‏ إلى من بعثتم‏؟‏ قالوا‏:‏ إليك، قال‏:‏ ولم‏؟‏ قالوا‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله‏.‏ قال‏:‏ لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته ولا أتاني، فما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ منعت الزكاة وأردت قتل رسولي‏؟‏ قال‏:‏ لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا رآني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن تكون كانت سخطة من الله ورسوله، فنزل ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‏}‏ إلى قوله ‏{‏حكيم‏}‏‏.‏

وأخرج الطبراني وابن منده وابن مردويه عن علقمة بن ناجية قال‏:‏ بعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط يصدق أموالنا فسار حتى إذا كان قريبا منا وذلك بعد وقعة المريسيع رجع فركبت في أثره فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ يا رسول الله أتيت قوما في جاهليتهم أخذوا اللباس ومنعوا الصدقة فلم يغير ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزلت الآية ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ‏}‏ فأتى المصطلقون إلى النبي صلى الله عليه وسلم أثر الوليد بطائفة من صدقاتهم‏.‏

وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني وكيعة وكانت بينهم شحناء في الجاهلية، فلما بلغ بني وكيعة استقبلوه لينظروا ما في نفسه فخشي القوم فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن بني وكيعة أرادوا قتلي ومنعوني الصدقة، فلما بلغ بني وكيعة الذي قال الوليد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ يا رسول الله لقد كذب الوليد‏.‏ قال‏:‏ وأنزل الله في الوليد ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن راهويه وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت‏:‏ بعث النبي صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق يصدق أموالهم فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ إن بني المصطلق منعوا صدقاتهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا‏:‏ نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله بعثت إلينا رجلا مصدقا فسررنا لذلك وقرت أعيننا ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله ورسوله ونزلت ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في سننه وابن عساكر عن ابن عباس قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات وأنه لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا ليتلقوا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع فقال‏:‏ يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوني الصدقة‏.‏ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضبا شديدا، فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا‏:‏ يا رسول الله إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وأنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا فأنزل الله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج آدم وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال‏:‏ أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليصدقهم فتلقوه بالهدنة، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن بني المصطلق جمعوا لك ليقاتلوك، فأنزل ‏{‏إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‏}‏‏.‏

أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الوليد بن عقبة إلى بني وكيعة وكانت بينهم شحناء في الجاهلية فلما بلغ بني وكيعة استقبلوه لينظروا ما في نفسه فخشي القوم فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن بني وكيعة أرادوا قتلي ومنعوني الصدقة‏.‏ فلما بلغ بني وكيعة الذي قال لهم الوليد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا رسول الله قالوا‏:‏ يا رسول الله لقد كذب الوليد، ولكن كانت بينه وبيننا شحناء فخشينا أن يكافئنا بالذي كان بيننا فأنزل الله في الوليد ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا نبي الله إن بني فلان - حيا من أحياء العرب - وكان في نفسه عليهم شيء، وكانوا حديثي عهد بالإسلام قد تركوا الصلاة وارتدوا وكفروا بالله‏.‏ قال‏:‏ فلم يعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا خالد بن الوليد، فبعثه إليهم ثم قال‏:‏ ارمقهم عند الصلاة فإن كان القوم قد تركوا الصلاة فشأنك بهم وإلا فلا تعجل عليهم‏.‏ قال‏:‏ فدنا منهم عند غروب الشمس، فكمن حيث يسمع الصلاة، فرمقهم فإذا هو بالمؤذن قد قام حين غربت الشمس فأذن ثم أقام الصلاة فصلوا المغرب، فقال خالد بن الوليد‏:‏ ما أراهم إلا يصلون فلعلهم تركوا غير هذه الصلاة ثم كمن حتى إذا الليل وغاب الشفق أذن مؤذنهم فصلوا‏.‏ قال‏:‏ فلعلهم تركوا صلاة أخرى، فكمن حتى إذا كان في جوف الليل فتقدم حتى أظل الخيل بدورهم فإذا القوم تعلموا شيئا من القرآن فهم يتهجدون به من الليل ويقرأونه، ثم أتاهم عند الصبح فإذا المؤذن حين طلع الفجر قد أذن ثم أقام فقاموا فصلوا، فلما انصرفوا وأضاء لهم النهار إذا هم بنواصي الخيل في ديارهم فقالوا‏:‏ ما هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ هنا خالد بن الوليد، وكان رجلا مشنعا، فقالوا يا خالد‏:‏ ما شأنك‏؟‏ قال‏:‏ أنتم والله شأني أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له أنكم كفرتم بالله وتركتم الصلاة، فجعلوا يبكون، فقالوا‏:‏ نعوذ بالله أن نكفر بالله أبدا‏.‏ قال‏:‏ فصرف الخيل وردها عنهم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما‏}‏ قال الحسن‏:‏ فوالله لئن كانت نزلت في هؤلاء القوم خاصة إنها المرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق يصدقهم فلم يبلغهم، ورجع فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنهم عصوا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجهز إليهم إذ جاء رجل من بني المصطلق، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ سمعنا أنك أرسلت إلينا ففرحنا به واستبشرنا به وإنه لم يبلغنا رسولك، وكذب‏.‏ فأنزل الله فيه وسماه فاسقا ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ‏}‏ قال‏:‏ هو ابن أبي معيط الوليد بن عقبة بعثه نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقا، فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وأمره بأن تثبت ولا تعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه، فلما جاءهم أخبروه أنهم متمسكون بالإسلام وسمع أذانهم وصلاتهم فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى ما يعجبه فرجع إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره الخبر، فأنزل الله في ذلك القرآن، فكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏التأني من الله والعجلة من الشيطان‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله ‏{‏إن جاءكم فاسق بنبأ‏}‏ الآية قال‏:‏ إذا جاءك فحدثك أن فلانا إن فلانة يعملون كذا وكذا من مساوئ الأعمال فلا تصدقه‏.‏

أما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم‏}‏‏.‏

أخرج عبد بن حميد والترمذي وصححه وابن مردويه عن أبي نضرة قال‏:‏ قرأ أبو سعيد الخدري ‏{‏واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم‏}‏ قال‏:‏ هذا نبيكم يوحى إليه وخيار أمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا فكيف بكم اليوم‏؟‏

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال‏:‏ لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكرنا أنفسنا وكيف لا ننكر أنفسنا والله يقول ‏{‏واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ‏{‏واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم‏}‏ قال‏:‏ هؤلاء أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم لو أطاعهم نبي الله في كثير من الأمر لعنتوا فأنتم والله أسخف قلبا وأطيش عقولا‏.‏ فاتهم رجل رأيه، وانتصح كتاب الله فإن كتاب الله ثقة لمن أخذ به وانتهى إليه وإن ما سوى كتاب الله تغرير‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ‏{‏لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم‏}‏ يقول‏:‏ لأعنت بعضكم بعضا‏.‏

أما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكن الله حبب إليكم الإيمان‏}‏‏.‏

أخرج أحمد والبخاري في الأدب والنسائي والحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع الزرقي قال‏:‏ لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏استووا حتى أثني على ربي، فصاروا خلفه صفوفا فقال‏:‏ اللهم لك الحمد كله، الله لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لما هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما بعدت، ولا مباعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب يا إله الحق‏"‏‏.‏

 الآيات 9 - 10

أخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال‏:‏ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق وركب حمارا، وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلما انطلق إليهم قال‏:‏ إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار‏:‏ والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجال من قومه، فغضب لكل منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فأنزل فيهم ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما‏}‏‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك قال‏:‏ تلاحى رجلان من المسلمين، فغضب قوم هذا لهذا وهذا لهذا فاقتتلوا بالأيدي والنعال فأنزل الله‏:‏ ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال‏:‏ إن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسيف والنعال، فأنزل الله ‏{‏وإن طائفتان‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن جرير عن الحسن قال‏:‏ كانت تكون الخصومة بين الحيين فيدعوهم إلى الحكم فيأبون أن يجيؤا، فأنزل الله ‏{‏وإن طائفتان‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مماراة في حق بينهما، فقال أحدهما للآخر‏:‏ لآخذن عنوة - لكثرة عشيرته - وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى، فلم يزل الأمر حتى تدافعوا، وحتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال، ولم يكن قتال بالسيوف‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال‏:‏ كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد، وأنها أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها، وإن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها، وكان الرجل قد خرج فاستعان أهل الرجل، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها، فتدافعوا واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏}‏ فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلح بينهم، وفاؤوا إلى أمر الله‏.‏

وأخرج الحاكم والبيهقي وصححه عن ابن عمر قال‏:‏ ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت من هذه الآية، إني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن حبان السلمي قال‏:‏ سألت ابن عمر عن قوله ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏}‏ وذلك حين دخل الحجاج الحرم فقال لي‏:‏ عرفت الباغية من المبغي عليها فوالذي نفسي بيده لو عرفت المبغية ما سبقتني أنت ولا غيرك إلى نصرها، أفرأيت إن كانت كلتاهما باغيتين فدع القوم يقتتلون على دنياهم، وارجع إلى أهلك، فإذا استمرت الجماعة فادخل فيها‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال‏:‏ إن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا اقتتلت طائفة من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله، وينصف بعضهم من بعض، فإن أجابوا حكم فيهم بكتاب الله حتى ينصف المظلوم من الظالم، فمن أبى منهم أن يجيب فهو باغ، وحق على إمام المؤمنين والمؤمنين أن يقاتلوهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ويقروا بحكم الله‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏}‏ قال‏:‏ الأوس والخزرج اقتتلوا بينهم بالعصي‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏}‏ قال‏:‏ الطائفة من الواحد إلى الألف، وقال‏:‏ إنما كانا رجلين اقتتلا‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما‏}‏ قال‏:‏ كان قتالهم بالنعال والعصي فأمرهم أن يصلحوا بينهما‏.‏

أما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله يحب المقسطين‏}‏‏.‏

أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة بين يدي الرحمن بما أقسطوا في الدنيا‏"‏‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما المؤمنون أخوة‏}‏ الآية‏.‏

أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن سيرين رضي الله عنه أنه كان يقرأ ‏{‏إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم‏}‏ بالياء‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ ‏{‏فأصلحوا بين أخويكم‏}‏ بالياء‏.‏

وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ما رأيت مثل ما رغبت عنه في هذه الآية ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج أحمد عن فهيد بن مطرف الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله سائل إن عدا علي عاد فأمره أن ينهاه ثلاث مرات، قال‏:‏ فإن لم ينته فأمره بقتاله، قال‏:‏ فكيف بنا‏؟‏ قال‏:‏ إن قتلك فأنت في الجنة، وإن قتلته فهو في النار‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏}‏ إلى قوله ‏{‏فقاتلوا التي تبغي‏}‏ قال‏:‏ بالسيف، قيل‏:‏ فما قتلاهم‏؟‏ قال‏:‏ شهداء مرزوقين، قيل‏:‏ فما حال الأخرى أهل البغي‏؟‏ قال‏:‏ من قتل منهم إلى النار‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏سيكون بعدي أمراء يقتتلون على الملك يقتل بعضهم بعضا‏"‏‏.‏